الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
وأنه الرب الجليل الأكبر *** الخالق الباري والمصور باري البرايا منشىء الخلائق *** مبدعهم بلا مثال سابق (وأنه الرب) أي وإثبات ربوبيته بأنه رب كل شيء ومليكه، رب الأولين والآخرين، رب المشرقين ورب المغربين، رب السماوات والأرضين وما بينهما، رب العالمين، رب الآخرة والأولى، مالك الملك فلا شريك له في ملكه، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويصل من يشاء، ويقطع من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء، ويقدره على من يشاء، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويحيي الأرض بعد موتها، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وأغنى وأقنى وأوجد وأفنى، يبدي ويعيد ويفعل ما يريد، رفع سمك السماء فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، وبسط الأرض ودحاها فراشا لعباده ومهادا، ونصب الجبال عليها أوتادا، سخر الفلك تجري في البحر بأمره، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فالق الإصباح وجعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون. خالق الكون وما فيه، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، مرج البحرين، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، وأسبغ على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، علم وألهم، ودبر فأحكم، وقضى فأبرم، لا راد لقضائه، ولا مضاد لأمره، ولا معقب لحكمه، ولا شريك له في ملكه، ولا إله غيره، ولا رب سواه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (الجليل) أي المتصف بجميع نعوت الجلال وصفات الكمال، المنزه عن النقائص والمحال، المتعالي على الأشباه والأمثال، له الأسماء الحسنى والصفات العلى والمثل الأعلى، وله الحمد في الآخرة والأولى. (الأكبر) الذي السماوات والأرض وما فيهن، وما بينهما في كفه كخردلة في كف آحاد عباده، له العظمة والكبرياء، وهو أكبر كل شيء شهادة، لا منازع له في عظمته وكبريائه، ولا ينبغي العظمة والكبرياء إلا له، ومن نازعه في صفة منهما، أذاقه عذابه وأحل عليه غضبه، ومن يحلل عليه غضبه فقد هوى. (الخالق) أي المقدر والمقلب للشيء بالتدبير إلى غيره، كما قال تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)، (الزمر 6)، وقال تعالى: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا)، (الحج 5) الآية، قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)، (المؤمنون 12- 14)، وقال تعالى: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا)، (مريم 67)، وقال تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور)، (الأنعام 1)، وقال تعالى: (الله خالق كل شيء)، وقال تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، فالله تبارك وتعالى الخالق، وكل ما سواه مخلوق له مربوب له، لا خالق غيره، فجميع السماوات والأرض ومن فيهن، وما بينهما وحركات أهلها وسكناتهم، وأرزاقهم وآجالهم، وأقوالهم وأعمالهم، كلها مخلوقات له، محدثة كائنة بعد أن لم تكن، وهو خالق ذلك كله وموجده، ومبدئه ومعيده، فمنه مبدؤها وإليه منتهاها، (ألا إلى الله تصير الأمور)، (الشورى 53). (البارئ) أي المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود، والبرء هو الفري وهو التنفيذ، وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده، سوى الله عز وجل كما قيل: ولأنت تفري ما خلقت، وبعض القوم يخلق ثم لا يفري، أي أنت تنفذ ما خلقت، أي قدرت، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع كل ما يريد، فالخلق التقدير، والفري التنفيذ. (المصور) الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها، يقال هذه صورة الأمر أو مثاله، فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا، وهذه الثلاثة الأسماء التي في سورة الحشر في خاتمتها (هو الله الخالق البارئ المصور)، قال ابن كثير- رحمه الله تعالى: أي الذي إذا أراد شيئا، قال له كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار، كقوله تعالى: (في أي صورة ما شاء ركبك)، (الانفطار 8). (باري البرايا) جميع الموجودات (منشئ الخلائق) أي جميع المخلوقات (مبدعهم) أي خالقهم ومنشئهم ومحدثهم، يفسر ذلك (بلا مثال سابق) أي بلا نظير سالف، ومنه سميت البدعة بدعة؛ لأنها على غير مثال سابق في الشرع، وقال الله تعالى: (بديع السماوات والأرض)، (البقرة 117) أي محدثها وموجدها على غير مثال سبق، وهذا مفسر للبيت الذي قبله، وقد تقدم الكلام عليه، ولله الحمد والمنة. الأول المبدي بلا ابتداء *** والآخر الباقي بلا انتهاء. (الأول) فليس قبله شيء (المبدئ) الذي يبدئ الخلق ثم يعيده (بلا ابتداء) لأوليته تعالى- (والآخر) فليس بعده شيء (الباقي) وكل ما سواه فان (بلا انتهاء) لآخريته تعالى، قال الله عز وجل: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)، (الحديد 3)، وقال تعالى: (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون)، (يونس 34)، وقال تعالى: (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير)، (العنكبوت 19- 20)، وقال تعالى: (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)، (القصص 88)، وقال تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، (الرحمن 26- 27)، وقال تعالى: (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)، (غافر 16)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة، أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. مرتين. ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، قال: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض. الحديث. وقال عمر رضي الله عنه: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. رواه البخاري. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه تعالى يطوي السماوات بيده، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، أنا الجبار المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ وفي حديث الصور: أنه عز وجل إذا قبض أرواح جميع خلقه، فلم يبقى سواه وحده لا شريك له، حينئذ يقول: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه قائلا: لله الواحد القهار، أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه. ولابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينادي مناد بين يدي الساعة، يا أيها الناس أتتكم الساعة، فيسمعه الأحياء والأموات، قال: وينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، ويقول: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في أثناء كلامه على هذه الأسماء الأربعة، وهي الأول والآخر والظاهر والباطن: هي أركان العلم والمعرفة، فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه، واعلم أن لك أنت أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، بل كل شيء فله أول وآخر، وظاهر وباطن، حتى الخطرة واللحظة والنفس، وأدنى من ذلك وأكثر، فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته- سبحانه- فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه، وبطونه- سبحانه- إحاطته بكل شيء، بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية، ومكانية، فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته، وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماء سماء ولا أرض أرضا، ولا يحجب عنه ظاهر باطنا، بل الباطن له ظاهر والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، ثم ساق الكلام على التعبد بهذه الأسماء، فشفى وكفى- رحمه الله تعالى، ولكن قد أحاط بذلك المعنى تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتقدم قريبا بأوجز عبارة وأخصرها، فسبحان من خصه بجوامع الكلم صلى الله عليه وسلم . الأحد الفرد القدير الأزلي *** الصمد البر المهيمن العلي علو قهر وعلو الشان *** جل عن الأضداد والأعوان كذا له العلو والفوقية *** على عباده بلا كيفية. (الأحد الفرد) الذي لا ضد له ولا ند له، ولا شريك له في إلهيته وربوبيته، ولا متصرف معه في ذرة من ملكوته، ولا شبيه له ولا نظير له في شيء من أسمائه وصفاته، فهو أحد في إلهيته، لا معبود بحق سواه، ولا يستحق العبادة إلا هو، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، وهو أحد في ربوبيته، فلا شريك له في ملكه، ولا مضاد ولا منازع ولا مغالب، أحد في ذاته وأسمائه وصفاته، فلا شبيه له ولا مثيل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما، فكما أنه الأحد الفرد في ذاته وإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فهو المتفرد في ملكوته بأنواع التصرفات من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة، والخلق والرزق، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال، والإسعاد والإشقاء، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والوصل والقطع، والضر والنفع، فلو اجتمع أهل السماوات السبع، والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهم على إماتة من هو محييه، أو إعزاز من هو مذله، أو هداية من هو مضله، أو إسعاد من هو مشقيه، أو خفض من هو رافعه، أو وصل من هو قاطعة، أو إعطاء من هو مانعه، أو ضر من هو نافعه، أو عكس ذلك، لم يكن ذلك بممكن في استطاعتهم، وأنى لهم ذلك والكل خلقه وملكه وعبيده، وفي قبضته وتحت تصرفه وقهره، ماض فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه، نافذة فيهم مشيئته، لا امتناع لهم عما قضاه، ولا خروج لهم من قبضته، ولا تحرك ذرة في السماوات والأرض، ولا تسكن إلا بإذنه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فسحقا لأصحاب السعير، كيف جحدوا بآياته وأشركوا في إلهيته وربوبيته من هو مخلوق مربوب مثلهم، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، واتخذوهم من دونه أربابا وأندادا، سووهم به وعدلوهم به، واعتقدوا أنهم متصرفون معه في ملكوته، وعبدوهم من دونه، وهم يرون ويعلمون أنهم محدثون بعد أن لم يكونوا، مسبوقون بالعدم عاجزون عن القيام بأنفسهم، فقراء إلى من يقوم بهم، وألحدوا في أسماء الله وصفاته وآياته على اختلافهم في صناعة الإلحاد، فبين مشبه له تعالى بالعدم، وهم نفاة أسماء وصفاته، بل هم نفاة وجود ذاته، وبين مشبه له بالمخلوقات، ممثل صفاته تعالى بصفات الحادثات المحدثات حاكمين عليه بعقولهم، واصفين له بما لم يصف به نفسه. وآخرون جحدوا إرادته ومشيئته النافذة، وقدرته الشاملة وأفعاله وحكمته وحمده، وجعلوا أنفسهم هم الفاعلين لما شاءوا، الخالقين لما أرادوا من دون مشيئة لله ولا إرادة، وجحدوا أن يكون الله خلقهم وما يعملون، وآخرون جعلوا قضاءه وقدره حجة لهم على ترك أوامره ونواهيه، وأنهم لا قدرة لهم ولا اختيار، وأنه كلفهم بفعل ما لا يطاق فعله، وترك ما لا يطاق تركه، وجعلوا معاصيه طاعات إذ وافقت مشيئته الكونية وقدره الكوني، فخاصموه بمشيئته وأقداره، وعطلوا أوامره ونواهيه، ونسبوه إلى الظلم تعالى وأن تعذيبه من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة، ولم يصم ولم يحج، ولم يعمل الطاعات، ولم يترك المعاصي، كتعذيب الذكر لم يصر أنثى، والأنثى لم تصر ذكرا، وأن أمرهم بالصلاة وغيرها كأمر الآدمي بالطيران، والأعمى بنقط المصاحف، أولئك خصماء الله يوم القيامة، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، ورضي الله عن المؤمنين إذ عرفوه حق معرفته، وقدروه حق قدره، ووحدوه بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأثبتوا له ما أثبته لنفسه، ونفوا عنه التمثيل، وآمنوا بقضائه وقدره، وتلقوه بالرضا والتسليم، وأن ذلك موجب ربوبيته ومقتضى إلهيته، واللائق بحكمته وحمده، وتلقوا أمره بالسمع والطاعة، والامتثال والانقياد، ووقفوا عند نواهيه وحدوده فلم يعتدوها، ونزلوا كلا من القدر والشرع منزلته، ولم ينصبوا الخصام بينهما، فالقضاء والقدر يؤمن به ولا يحتج به، والأمر والنهي يطاع ويمتثل، فالإيمان بالقدر من كمال التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله والقيام بالأمر والنهي موجب شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن لا يؤمن بالقضاء والقدر وينقاد للأمر والنهي، فهو مكذب بالشهادتين، ولو نطق بهما بلسانه، وهذا البحث سيأتي تفصيله عن قريب إن شاء الله في موضعه. وإنما ساقنا إليه ها هنا الكلام على كمال أحدية الله عز وجل في إلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته وأفعاله، وقدره وشرعه، وأنه لا معارض لمشيئته، ولا معقب لحكمه، وأن المخلوق لا تصرف له في نفسه، فضلا عن غيره، ولا قدرة له على ما لم يقدره الله تعالى عليه، فكيف يسوي به ويعدل به ويشرك معه في إلهيته، أو ينسب إليه التصرف في شيء من ملكوته، وكم يقيم الحجة تبارك وتعالى على من أشرك معه إلها غيره بأحديته في الربوبية والأسماء والصفات وإقرار المشرك بها، وأن إلهته التي أشرك لا تتصف بشيء منها، ويلزمه إفراده بالألوهية الملازمة للربوبية، كما قال تعالى: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا)، (مريم 65)، وقال تعالى: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون)، (الروم 40)، وقال تعالى: (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأني تؤفكون قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)، (يونس 34- 35)، إلى غير ذلك من الآيات. (القدير) الذي له مطلق القدرة وكمالها وتمامها، الذي ما كان ليعجزه من شيء في الأرض ولا في السماء، الذي ما خلق الخلق ولا بعثهم في كمال قدرته إلا كنفس واحدة، الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤده حفظهما، أي لا يكرثه ولا يثقله، الفعال لما يشاء إذا شاء كيف شاء في أي وقت شاء. قال الله تعالى: (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا)، (النساء 133)، وقال تعالى بعد الكلام على البدء والإعادة: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل)، (الحج 6) الآية، وقال تعالى بعد الكلام على هذا المعنى: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير)، (الحج 6)، وقال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا)، (غافر 82). وقال تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)، (لقمان 28)، وقال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، (يس 82)، وقال تعالى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بل إنه على كل شيء قدير)، (الأحقاف 33)، وقال تعالى: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد)، (ق 15)، وقال: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)، (ق 38)، وقال تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)، (الطلاق 12)، وقال تعالى: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، (يس 81- 82)، وقال تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)، (تبارك 1)، وقال تعالى: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين)، (المعارج 40)، وقال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون)، (المؤمنون 18)، وقال تعالى: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير)، (فصلت 39)، وقال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير +++++)، (العنكبوت 20- 22). والآيات في هذا الباب كثيرة يطول ذكرها، بل كل آيات الله الظاهرة والمعنوية وجميع مخلوقاته العلوية والسفلية تدل على كمال قدرته الشاملة التي لا يخرج عنها مثقال ذرة، كما أنه لا يعزب عن عمله مثقال ذرة، وعبارة العبد تقصر عن ذلك المعنى العظيم، وكفى العبد دليلا أن ينظر في خلق نفسه، كيف قدره أحكم الحاكمين، وخلقه في أحسن تقويم، وشق له السمع فسمع، والبصر فأبصر، واللسان فنطق، والفؤاد فعقل، إلى غير ذلك، فكيف إذا سرح قلبه في عجائب الملكوت، ونظر بعين بصيرته إلى مبدعات الحي الذي لا يموت، ورأى الآيات الباهرة، والبراهين الظاهرة على كمال قدرة ذي العزة والجبروت، (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون)، (الأعراف 185)، وفي حديث الاستخارة المتفق عليه: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم. الحديث. (الأزلي) بذاته وأسمائه وصفاته، الذي لا ابتداء لأوليته، ولا انتهاء لآخريته، وليس شيء من أسمائه وصفاته متجددا حادثا لم يكن قبل ذلك، كذلك له كمال الربويية ولا مربوب، واسم الخالق ولا مخلوق، وهو العليم قبل إيجاده المعلومات، والسميع قبل إيجاده المسموعات، والبصير قبل إيجاده المبصرات، وكذلك سائر أسمائه وصفاته أزلية بأزلية ذاته، باقية ببقاء ذاته، لم يزل متصفا بها في أوليته، وكذلك لم يزل متصفا بها في سرمديته، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم البارئ، بل هو- سبحانه- الخالق قبل خلق المخلوقين، والرازق قبل وجود المرزوقين، وهو المحيي المميت قبل خلقه الموت والحياة، وكذلك وصف نفسه تبارك وتعالى- فقال: (وكان الله عليما قديرا- وكان الله غفورا رحيما- وكان الله عزيزا حكيما- وكان الله سميعا بصيرا- وكان الله لطيفا خبيرا- إن الله كان عليا كبيرا) إلى غير ذلك، قال ابن عباس: أي لم يزل كذلك ا هـ. ولا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى وصف بصفة لم يكن متصفا بها؛ لأن صفاته- سبحانه- كلها صفات كمال، وفقدانها صفة نقص، ولا يجوز كونه قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفا بضده، وتقدم في الأزلية حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما في بدء الخلق: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء. (الصمد)، قال عكرمة، عن ابن عباس: يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله- سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفؤ، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار. وعن أبي وائل: الصمد الذي قد انتهى سؤدده، ورواه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن زيد بن أسلم: الصمد السيد. وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه. وقال الحسن أيضا: الصمد الحي القيوم، الذي لا زوال له. وقال عكرمة: الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولم يطعم، وقال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد وعبد الله بن بريدة، وعكرمة أيضا، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي: الصمد الذي لا جوف له. وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضا: الصمد نور يتلألأ. قال ابن كثير- رحمه الله تعالى: روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم، والبيهقي والطبراني، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده، وقال الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عز وجل , وهو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقال الترمذي- رحمه الله تعالى: حدثنا أحمد بن منيع، أخبرنا أبو سعد هو الصنعاني، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد)، والصمد الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا وسيموت، وليس شيء سيموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث، (ولم يكن له كفوا أحد). قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء، حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا: انسب لنا ربك، قال: فأتاه جبريل عليه السلام بهذه السورة (قل هو الله أحد)، فذكر نحوه ولم يذكر فيه أبي بن كعب، وهذا أصح من حديث أبي سعد ا هـ. قلت: وهذه السورة العظيمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: إنها تعدل ثلث القرآن. مشتملة على توحيد الإلهية والربوبية والأسماء والصفات، جامعة بين الإثبات لصفات الكمال وبين التنزيه له تعالى عن الأشباه والأمثال، متضمنة الرد على جميع طوائف الكفر من الدهرية والوثنية، والملاحدة من المشبهة والمعطلة، وأهل الحلول والاتحاد، ومن نسب له الصاحبة والولد، وغيرهم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، والله أعلم. (البر) وصفا وفعلا، قال ابن عباس: اللطيف. وقال الضحاك: الصادق فيما وعد. (المهيمن) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ومقاتل: هو الشهيد على عباده بأعمالهم، يقال هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيبا على الشيء، كما قال تعالى: (والله على كل شيء شهيد)، (البروج 9)، وقوله: (ثم الله شهيد على ما يفعلون)، (يونس 46)، وقال: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، (الرعد 33)، وقال الحسن الأمين، وقال الخليل: هو الرقيب الحافظ. وقال زيد المصدق، وقال سعيد بن المسيب، والضحاك: القاضي. وقال ابن كيسان: هو اسم من أسماء الله تعالى في الكتب، والله أعلم بتأويله ا هـ. (العلي) فكل معاني العلو ثابتة له، (علو قهر) فلا مغالب له ولا منازع، بل كل شيء تحت سلطان قهره، (قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار)، (ص 65). (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار)، (الزمر 4)، وقد جمع الله تعالى بين علو الذات والقهر في قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده)، (الأنعام 18)، أي وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء، وعلا بذاته على عرشه فوق كل شيء. (وعلو الشأن) فتعالى عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، تعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير، وتعالى في عظمته وكبريائه وجبروته عن الشفيع عنده بدون إذنه والمجير، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد والوالد والكفؤ والنظير، وتعالى في كمال حياته وقيوميته وقدرته عن الموت والسنة والنوم والتعب والإعياء، وتعالى في كمال علمه عن الغفلة والنسيان، وعن عزوب مثقال ذرة عن علمه في الأرض أو في السماء، وتعالى في كمال حكمته وحمده عن الخلق عبثا، وعن ترك الخلق سدى بلا أمر ولا نهى ولا بعث ولا جزاء , وتعالى في كمال عدله على أن يظلم أحدا مثقال ذرة، أو أن يهضمه شيئا من حسناته , وتعالى في كمال غناه عن أن يطعم أو يرزق، أو أن يفتقر إلى غيره في شيء , وتعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل، قال الله تعالى: (وما من إله إلا الله)، وقال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، (محمد 19)، وقال تعالى: (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات)، (الأحقاف 4)، وقال: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان رب العرش عما يصفون)، (الأنبياء 22)، وقال تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وما له منهم من ظهير)، (سبأ 22)، وقال تعالى: (ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل)، (الإسراء 111)، وقال تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (سورة الإخلاص)، وقال تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا)، (الجن 3)، وقال تعالى: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا)، (مريم 65)، وقال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، (الأنبياء 28)، وقال تعالى: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه)، (يونس 3) وقال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)، (البقرة 254)، وقال تعالى: (وهو الذي يجير ولا يجار عليه)، (المؤمنون 88)، وقال تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت)، (الفرقان 58)، وقال تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم)، (البقرة 254)، وقال تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)، (ق 38)، وقال تعالى: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد)، (ق 15)، وقال تعالى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير)، (الأحقاف 33)، وقال تعالى: (وما الله بغافل عما تعملون)، وقال تعالى: (وما كنا عن الخلق غافلين)، (المؤمنون 17)، وقال تعالى: (وما كان ربك نسيا)، وقال تعالى عن موسى لما قال له فرعون: (فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى)، (طه 51- 52)، وقال تعالى: (عالم علم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر)، (سبأ 3)، وقال تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا)، (ص 27)، وقال تعالى: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون)، (الدخان 38- 39)، وقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)، (المؤمنون 115)، وقال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)، (القيامة 36)، وقال تعالى: (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)، (الكهف 49)، وقال تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها)، (النساء 40)، وقال تعالى: (وما ربك بظلام للعبيد)، وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما)، (طه 112)، وقال تعالى: (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم)، (الأنعام 14)، وقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)، (الذاريات 56- 58)، وقال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)، (فاطر 15)، وقال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما)، (طه 11)، وقال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، (الشورى 110). والآيات في هذا الباب كثيرة جدا، وهذان المعنيان من العلو لم يخالف فيهما أحد ممن يدعي الإسلام وينتسب إليه، وإنما ضل من ضل منهم، وأخطأ في التنزيه الذي هو مقصوده، حيث لم يسلك الطريق الموصلة إليه، وأحسن الظن بنفسه وعقله ومتبوعه، وأساءه بالكتاب والسنة، وكثير منهم اغتر بقول كان مقصود قائله الزيغ والفساد والكفران، فحسب لإحسان الظن به أن مقصوده التحقيق والإيمان والعرفان، واتبعوا السبل المضلة، فتفرقت بهم عن صراط الرحمن، فمنهم من نزهه تعالى عن فوقيته على عرشه بائنا من خلقه، ووقع في أعظم من ذلك حيث اعتقد أنه في كل مكان، ولم ينزهه حتى عن الأماكن الخسيسة، ومنهم من نزهه عن العلو والفوقية، وجعله هو الوجود بأسره، ومنهم من نزهه عن وجود ذاته، ووصفه بالعدم المحض، ومنهم من نزهه عن أفعاله ومشيئته فرارا من وصفه بالظلم، ووقع في تعطيله عن قدرته ونسبته إلى العجز، وغلا بعضهم في ذلك حتى أنكر علمه السابق، ووصفه بضده، ومنهم من غلا في مسألة القدر وإثباته، وخاصم به الأمر والنهي فرارا مما وقع فيه الأولون، ووقع في أعظم ذلك تعطيل الشريعة، ونسبته تعالى إلى الظلم وإلى تكليف عباده ما لا يطاق، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ففروا من الهدى إلى الضلالة، ومن الرشد إلى الغي، ومن الإسلام إلى الكفر، ومن السنة إلى البدعة، ومن النور إلى الظلمات، وضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فجعلوا إمامهم وقدوتهم الكتاب والسنة، وساروا معهما حيث سارا، ووقفوا حيث وقفا، فأثبتوا لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلا، وآمنوا بالقدر خيره وشره، وتلقوه بالرضا والتسليم، وانقادوا للشريعة فقابلوا أوامرها ونواهيها بالامتثال والتعظيم، فما أثبت الله لنفسه أثبتوه، وما نفاه عن نفسه نفوه، فإذا سمعوا آيات الصفات وأحاديثها، قالوا: آمنا به كل من عند ربنا، وإن أحسنوا، قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا هدانا الله، وإن أساءوا، قالوا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، وإذا أصابتهم مصيبة، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. (كذا) ثابت (له العلو والفوقية) بالكتاب والسنة وإجماع الملائكة والأنبياء والمرسلين وأتباعهم على الحقيقة من أهل السنة والجماعة (على عباده) فوقهم مستويا على عرشه، عاليا على خلقه، بائنا منهم يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عليه منهم خافية، والأدلة في ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى، وأجل من أن تستقصى، والفطر السليمة والقلوب المستقيمة مجبولة على الإقرار بذلك لا تنكره، ولنشر إلى بعض ذلك إشارة تدل على ما وراءها، وبالله التوفيق. فمن ذلك أسماؤه الحسنى الدالة على ثبوت جميع معاني العلو له تبارك وتعالى كاسمه الأعلى، واسمه العلي، واسمه المتعالي، واسمه الظاهر، واسمه القاهر، وغيرها. قال تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى)، (الأعلى 1)، ولما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم. وقال تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)، (البقرة 254)، وقال تعالى: (إن الله كان عليا كبيرا)، (النساء 34)، وقال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) (الحج 62)، وقال تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)، (سبأ 23)، وقال تعالى: (إنه علي حكيم)، (الشورى 51)، وقال تعالى: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)، (الرعد 9)، وقال تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)، (الحديد 3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: وأنت الظاهر فليس فوقك شيء. وقال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده)، (الأنعام 18)، وهذه الأسماء تدل على ثبوت جميع معاني العلو له تبارك وتعالى ذاتا وقهرا وشأنا. ومن ذلك التصريح بالاستواء على عرشه، كما قال تعالى في سورة الأعراف: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)، (الأعراف 54)، وقال تعالى في سورة يونس: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر)، (يونس 3)، وقال تعالى في سورة الرعد: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش)، (الرعد 2)، وقال تعالى في سورة طه: (الرحمن على العرش استوى)، (طه 5)، وقال تعالى في سورة الفرقان: (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن)، (الفرقان 59)، وقال تعالى في سورة ألم تنزيل السجدة: (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)، (السجدة 4- 5) الآية، وقال تعالى في سورة الحديد: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير)، (الحديد 4). وفي حديث أنس في فضل الجمعة وتسميته في الآخرة يوم المزيد الحديث بطوله، وفي آخره قال: وهو اليوم الذي استوى فيه ربك على العرش. وقد رواه الشافعي في مسنده، وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة، وابن خزيمة وغيرهم، وقد جمع أبو بكر بن أبي داود طرقه في جزء، وسيأتي إن شاء الله تعالى بطوله وألفاظه في إثبات رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله تعالى الخلائق حاسبهم، فيميز بين أهل الجنة وأهل النار، وهو تعالى في جنته على عرشه. قال محمد بن عثمان الحافظ: هذا حديث صحيح، وعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: لما فرغ الله من خلقه، استوى على عرشه. رواه الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن خلق السماوات والأرض، فذكر حديثا طويلا، قالوا: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا: أصبت يا محمد، لو أتممت: ثم استراح، فغضب غضبا شديدا، فأنزل الله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)، (ق 38). رواه ابن منده والحاكم، وصححه وفي إسناده البقال، ضعفه ابن معين، وعن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش فاستوى عليه. رواه أبو داود وابن ماجه، وقال الذهبي: إسناده حسن. ورواه الترمذي وحسنه، لكن لفظه: وخلق عرشه على الماء. قال يزيد بن هارون: العماء، أي ليس معه شيء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء) قال: إن الله تعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخانا، فارتفع فوق الماء، فسما عليه فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين. الحديث، إلى أن قال: فلما فرغ الله عز وجل من خلق ما أحب، استوى على العرش. رواه السدي وابن جرير الطبري في تفسيره، والبيهقي في الأسماء والصفات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، فقال: يا أبا هريرة، إن الله تعالى خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع. الحديث بطوله رواه النسائي في تفسير سورة السجدة من سننه الكبرى، وفيه أخضر بن عجلان، قال الذهبي: وثقه ابن معين، و قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولينه الأزدي، وحديثه في السنن الأربعة، وهذا الحديث غريب من أفراده. ومن ذلك التصريح بالفوقية لله تعالى قال الله عز وجل: (وهو القاهر فوق عباده)، (الأنعام 18)، وقال: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)، (النحل 50)، ولما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم، وتغنم أموالهم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة. وفي لفظ: من فوق سبع سماوات. وأصله في الصحيحين، وهذا سياق ابن إسحاق. وفي صحيح البخاري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت زينب رضي الله عنها- تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات. وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس وضاعت العيال، ونهكت الأموال وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك، أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا. وقال بأصبعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته. وساق الحديث. وله عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة، فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب. قال: والمزن؟ قالوا: والمزن. قال: والعنان؟ قالوا: والعنان. قال أبو داود: ولم أتقن العنان جيدا، قال: هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري. قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاثة وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك. زاد أحمد: وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم. وفي سنن ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. قال: وذلك قوله عز وجل: (سلام قولا من رب رحيم)، قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم. وفي إسناده الرقاشي ضعيف، ومعناه ثابت في الكتاب والسنة. وفي حديث الشفاعة الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأدخل على ربي تبارك وتعالى وهو على عرشه... وذكر الحديث، وفي بعض ألفاظ البخاري في صحيحه: فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه. قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: هكذا قال في داره في المواضع الثلاثة، يريد مواضع الشفاعات الثلاث التي يسجد فيها، ثم يرفع رأسه. وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي رضي الله عنه فقال: إن رسول الله حدثني عن ربه عز وجل فقال: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصيتي، فتحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي. رواه ابن أبي شيبة في كتاب العرش، والعسال في المعرفة، وضعفه الذهبي. وعن جابر بن سليم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين، فتبختر، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها. رواه الدارمي، وله شاهد في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي حديث عمران بن حصين في بدء الخلق: كان الله عز وجل على العرش، وكان قبل كل شيء، وكتب في اللوح المحفوظ كل شيء يكون. حديث صحيح، أصله في البخاري. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة، حتى ييسر له نظر الله له من فوق سبع سماوات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإن يسرته له أدخلته النار. رواه البغوي، وسكت الذهبي عنه. وعنه رضي الله عنه قال: العرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. قال الذهبي: رواه عبد الله بن أحمد في السنة، وأبو بكر بن المنذر وأبو أحمد العسال وأبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ وأبو القاسم اللالكائي وأبو عمرو الطلمنكي وأبو بكر البيهقي وأبو عمر بن عبد البر في تواليفهم، وإسناده صحيح. وأخرج ابن أبي شيبة أن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنشد النبي صلى الله عليه وسلم: شهدت بإذن الله أن محمدا *** رسول الذي فوق السماوات من عل وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهمو *** يقول بذات الله فيهم ويعدل وأن أبا يحيى ويحيي كلاهما *** له عمل من ربه متقبل. ومن ذلك التصريح بأنه تعالى في السماء، قال الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير)، (الملك 6- 7)، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروض لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحا ومساء. قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشر الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله، اتق الله. فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال: فلما ولى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم، قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: إنه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأظنه قال: لئن أدركتهم، لأقتلنهم قتل ثمود. وعن معاوية بن الحكم في حديث طويل قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكن صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: أعتقها، فإنها مؤمنة. أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اشتكى منكم شيئا، أو اشتكاه أخ له، فليقل: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ. رواه أبو داود، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وله عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: يا حصين، كم تعبد اليوم إلها؟ قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحدا في السماء. قال: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء. قال: فلما أسلم حصين، قال: يا رسول الله، علمني الكلمتين اللتين وعدتني. فقال صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها، حتى يرضى عنها. رواه مسلم في صحيحه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا جلوسا ذات يوم بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة من بناته، فقال أبو سفيان: ما مثل محمد في بني هاشم إلا كمثل الريحانة في وسط الزبل. فسمعت، فأبلغته رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصعد على منبره، وقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام، إن الله خلق سماوات سبعا، فاختار العليا فسكنها، وأسكن سمواته من شاء من خلقه، ثم اختار خلقه، فاختار بني آدم، فاختار العرب، فاختار مضر، فاختار قريش، فاختار بني هاشم، فاختارني، فلم أزل خيارا من خيار، فمن أحب قريشا فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم. قال الذهبي: هو حديث منكر، رواه جماعة في كتب السنة، وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وذكر باقي الحديث. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وابن جرير واللفظ له، وفي الباب أحاديث تأتي إن شاء الله تعالى في ذكر الموت وفتنة القبر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أسري بي، مررت برائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله تعالى، فقالت ابنته: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله، فقالت: أخبر بذلك أبي؟ قالت: نعم، فأخبرته فدعا بها، فقال: من ربك؟ هل لك رب غيري؟ قالت: ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم دعا بها وبولدها، فألقاهما فيها. وساق الحديث بطوله، رواه الدارمي وأبو يعلى الموصلي، وقال الذهبي: هذا حديث حسن الإسناد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، قال: اللهم إنك واحد في السماء، وأنا واحد في الأرض أعبدك. رواه الدارمي في النقض، وقال الذهبي: حسن الإسناد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله العبد، نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبرائيل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. رواه البخاري. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا أراد الله أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات، صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام فيكلمه الله تعالى من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء، سأله ملائكتها، ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق، وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثلما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل. رواه ابن جرير وابن خزيمة والطبراني، وابن أبي حاتم واللفظ له. ومن ذلك التصريح باختصاص بعض الأشياء بأنها عنده، قال الله تبارك وتعالى: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)، (الأعراف 206)، وقال تبارك وتعالى: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون)، (الأنبياء 19)، وقال تبارك وتعالى: (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون)، (فصلت 38)، وقال تبارك وتعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، (آل عمران 169)، وقال تبارك وتعالى: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله)، (التحريم 11) الآية، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي. ولمسلم عنه في حديث طويل: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده. وفيهما عنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة. وفي صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحديث إلى أن قال: ثم خرج علينا، فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف. ولهما عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتج آدم وموسى عند ربهما عز وجل، فحج آدم موسى. وذكر الحديث، وسيأتي إن شاء الله بتمامه. ومن ذلك الرفع والصعود والعروج إليه، وهو أنواع: منها رفعه عيسى عليه السلام، قال الله تعالى: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما)، (النساء 157- 158)، وقال تبارك وتعالى: (يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا)، (آل عمران 55)، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر الأحاديث الواردة في نزوله إلى الأرض حكما عدلا في آخر هذه الأمة بشريعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة. و منها صعود الأعمال إليه، كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، (فاطر 10)، وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل. ورواه مسلم أيضا، والنسائي والترمذي، وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذين يذكرون من جلال الله عز وجل من تسبيحه وتكبيره، وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش لهن دوي، كدوي النحل يذكرن بصاحبهن، ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به؟ رواه أحمد وابن ماجه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى الله عز وجل كأنها شرارة. قال الذهبي: غريب، وإسناده جيد. وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وفي ذلك أحاديث لا تحصى في الصحيحين وغيرهما. ومنها صعود الأرواح إلى الله عز وجل أعني أرواح المؤمنين، قال الله تبارك وتعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)، (الأعراف 40)، وروى الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب الطويل في قبض الروح، وفيه قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج فتسيل كما تسيل القطر من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه في الدنيا، حتى ينتهوا إلى سماء الدنيا، فيستفتحون له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة، فيقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. وذكر الحديث، وسيأتي إن شاء الله بطوله، وقد تقدم حديث أبي هريرة في ذلك، وفيه أحاديث جمة، سنذكر منها ما يسره الله تعالى في بابه إن شاء الله. و منها عروج الملائكة والروح إليه، قال الله تبارك وتعالى: (من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه)، (المعارج 3- 4)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون. وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال يقولون: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول تعالى، هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله، ما رأوك. قال فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا لك أشد عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها. قال يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنهم رأوها، كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال يقولون: من النار. قال يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا والله، ما رأوها؟ قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو رأوها، كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. قال فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى عليه الصلاة والسلام فلطمه فذهب بعينه، فعرج إلى ربه عز وجل- فقال: يا رب، بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني، ولولا كرامته عليك، لشققت عليه. قال: ارجع إلى عبدي، فقل له: فليضع يده على ثور، فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها، فأتاه فبلغه ما أمره، فقال: ثم ماذا بعد ذلك؟ قال: الموت. قال: الآن، فشمه شمة قبض فيها روحه، ورد الله على ملك الموت بصره. وفي لفظ: فلطم عينه ففقأها، فرجع فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي، فقل له: إن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، وفيه قال: يا رب، فالآن. وقال: رب، أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر. متفق عليه. + ومن ذلك معراج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، وإلى حيث شاء الله عز وجل كما ثبتت به الأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين وغيرهما، قال البخاري- رحمه الله تعالى: باب المعراج. حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: بينما أنا نائم في الحطيم، وربما قال: في الحجر مضطجعا، إذ أتاني آت، فقد قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي، قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ فقال أنس: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح , ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون، فقال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام. قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع إلى البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة، أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم , قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك , قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكنى أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت، ناداني مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. ومن ذلك التصريح بنزوله تبارك وتعالى كما في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وقد ثبت في ذلك أحاديث كثيرة عن نحو ثلاثين صحابيا، وقد ثبت أيضا نزوله تعالى ليلة النصف من شعبان، وعشية عرفة، وعند فناء الخلق، حين ينزل إلى السماء الدنيا فينادي: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، وكذا نزوله تعالى لفصل القضاء بين عباده كما يشاء، وعلى ما يليق بجلاله وعظمته، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك كله في آخر هذا الفصل من المتن. ومن ذلك تنزل الملائكة، ونزول الأمر من عنده، وتنزيل الكتاب منه تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده)، (النحل 2)، وقال حكاية عنهم: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)، (مريم 64)، وقال تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه)، (السجدة 5) الآية، وقال تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن)، (الطلاق 12)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا)، (النساء 136)، وقال تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق)، (آل عمران 3)، (كتاب أنزلناه إليك)، (إبراهيم 1)، (وهذا ذكر مبارك أنزلناه)، (الأنبياء 50)، (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين)، (السجدة 2)، (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)، (الزمر 1)، (إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين)، (الزمر 2)، (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم)، (غافر 2)، (تنزيل من الرحمن الرحيم)، (فصلت 2)، (تنزيل من حكيم حميد)، (فصلت 42)، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)، (الإسراء 106)، (وإنه لتنزيل رب العالمين)، (الشعراء 192)، (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين)، (الشعراء 193)، وغير ذلك من الآيات. وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأخيه: اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء. وقد تقدم في حديث الذهيبة قوله صلى الله عليه وسلم: يأتيني خبر السماء صباحا ومساء. وفي الصحيح قال المغيرة رضي الله عنه: أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا تبارك وتعالى أنه من قتل منا، صار إلى الجنة. وفيه قالت عائشة رضي الله عنها: من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي، فلا تصدقه، إن الله تعالى يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، وفيه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ وذكر الحديث إلى أن قال: فأنزل الله تصديقها: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآيات، وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة. ومن ذلك رفع الأيدي إليه والأبصار، كما في أحاديث القنوت وأحاديث الاستسقاء، وحديث دعائه صلى الله عليه وسلم على النفر الذين طرحوا على ظهره الشريف سلا الجزور وهو ساجد، وحديث استغاثته ربه ببدر ومناشدته إياه حتى سقط رداؤه، وكذا في أحد والخندق وحنين، واستغفاره لرفيق أبي موسى يومئذ، وغير ذلك. فكتب السنة مملوءة بهذا النوع، وقد ورد في رفع اليدين في الدعاء أكثر من مائة حديث في وقائع متفرقة، وذلك معلوم بالفطر، فكل من حزبه أمر من المؤمنين رفع يديه إلى العلو يدعو الله عز وجل، وكذلك رفع البصر ثبت في الدعاء بعد الوضوء في سنن أبي داود، وهو في الصحيح بدون رفع البصر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طرف صاحب الصور من وكل به مستعدا، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان. أخرجه الحاكم وصححه، وأخرج البغوي عن ثابت البناني، قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي يا عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها يا ساكن السماء. قال الذهبي: إسناده صالح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يحشر الناس حفاة عراة مشاة قياما أربعمائة سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قد ألجمهم العرق من شدة الكرب، وينزل الله تعالى في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي. أخرجه أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي. الحديث بطوله، قاله الذهبي إسناده حسن، وفيه أحاديث غير ما ذكرنا. ومن ذلك إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلو في خطبته في حجة الوداع بأصبعه وبرأسه، كما في حديث جابر الطويل عند مسلم، وفيه: وقد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد. ثلاث مرات. وذكر الحديث. وللبخاري من حديث ابن عباس في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر، وفيه: ثم رفع رأسه، فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ الحديث. ومن ذلك النصوص الواردة في ذكر العرش وصفته، وإضافته غالبا إلى خالقه تبارك وتعالى وأنه تعالى فوقه، قال الله تعالى: (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) (النمل 26)، وقال تعالى: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)، (المؤمنون 116)، وقال تعالى: (وكان عرشه على الماء)، (هود 7)، وقال تعالى: (رفيع الدرجات ذو العرش)، (غافر 15)، وقال تعالى: (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد)، (البروج 14- 15)، إلى غير ذلك. وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض، رب العرش الكريم. وفيه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة. وفيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش. الحديث. وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: يد الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمنه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض، أو القبض، يرفع ويخفض. وفي رواية: وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع. وفيه عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: سبعة يظلهم الله تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله. قال الذهبي: إسناده صالح. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام. رواه أبو داود وابن أبي حاتم، ولفظه: أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش، بعد ما بين شحمة أذنه وعنقه مخفق الطير سبعمائة عام. وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفيه جملة أحاديث غير ما ذكرنا، وقد تقدم منها جملة وافية. ومن ذلك ما قصه الله تعالى عن فرعون- لعنه الله- في تكذيبه موسى عليه السلام في أن إلهه الله عز وجل العلي الأعلى، خالق كل شيء وإلهه، قال الله تعالى في سورة القصص: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين)، (القصص 38)، وقال تعالى: في سورة + المؤمن: (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب)، (غافر 36- 37)، ففرعون- لعنه الله تعالى- كذب موسى في أن رب السماوات والأرض، ورب المشرق والمغرب وما بينهما، هو الله الذي في السماء، فوق جميع خلقه مباين لهم، لا تخفى عليه منهم خافية، فكل جهمي ناف لعلو الله عز وجل فهو فرعوني، وعن فرعون أخذ دينه، وكل سني يصف الله تعالى بما وصف به نفسه أنه استوى على عرشه، بائن من خلقه، فهو موسوي محمدي، متبع لرسل الله وكتبه. ومن ذلك ما قصه الله تعالى في قصة تكليمه موسى حين تجلى للجبل فاندك الجبل، قال الله عز وجل: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا)، (الأعراف 143) الآية، قال الترمذي في جامعه في تفسير سورة الأعراف: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)، قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى، قال: فساخ الجبل، وخر موسى صعقا. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ورواه أيضا من طريق معاذ بن معاذ العنبري، عن حماد نحوه، ومن طريق معاذ أيضا رواه أحمد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل) قال: قال هكذا- يعني: أنه أخرج طرف الخنصر. قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد؟ يحدثني به أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم- وتقول: ما تريد إليه؟ ورواه أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية من طريق هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم- (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: ووضع الإبهام قريبا من طرف خنصره. قال: فساخ الجبل، قال حميد لثابت: يقول هكذا؟ فرفع ثابت يده، فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أنس، وأنا أكتمه؟ ورواه الحاكم في مستدركه من طرق، عن حماد بن سلمة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ورواه الخلال من طريق هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره، وقال: هذا إسناد صحيح، لا علة فيه. ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا حماد بن سلمة، ومن طريق عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، ومن طريق الهيثم بن جميل، قال: حدثنا حماد بن سلمة. ومن طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا حماد. ومن طريق حجاج- يعني: ابن منهال، عن حماد بن سلمة. ومن طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن سلمة، قال أبو بكر بن خزيمة رحمه الله تعالى على هذه الآية قبل سياق الحديث بهذه الطرق: أفليس العلم محيطا يا ذوي الألباب أن الله عز وجل لو كان في كل موضع، ومع كل بشر وخلق كما زعمت المعطلة، لكان متجليا لكل شيء، وكذلك جميع ما في الأرض لو كان الله تعالى متجليا لجميع أرضه، سهلها ووعرها، وجبالها وبراريها ومفاوزها، ومدنها وقراها، وعماراتها وخرابها، وجميع ما فيها من نبات وبناء، لجعلها دكا كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكا، قال الله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) انتهى. وبالجملة فجميع رسل الله- عليهم الصلاة والسلام- وجميع كتبه المنزلة، وجميع أهل السماوات، ومؤمني أهل الأرض من الجن والإنس أتباع رسل الله، وجميع الفطر السليمة، والقلوب المستقيمة التي لم تجتلها الشياطين عن دينها، جميعها شاهدة حالا ومقالا أن خالقها وفاطرها ومعبودها الذي تألهه، وتفزع إليه وتدعوه رغبا ورهبا، هو فوق كل شيء، عال على جميع خلقه، استوى على عرشه بائنا من مخلوقاته، وهو يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، وجميع تقلباتهم وأحوالهم، لا يخفى عليه منهم خافية، ولهذا ترى جميع المؤمنين عالمهم وعاميهم، وحرهم ومملوكهم، وذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم، كل منهم إذا دعا الله تبارك وتعالى في جلب خير، أو كشف مكروه، إنما يرفع يديه ويشخص ببصره إلى السماء إلى جهة العلو، إلى من يعلم سره ونجواه، متوجها إليه بقلبه وقالبه، يعلم أن معبوده فوقه، وأنه إنما يدعي من أعلى لا من أسفل، كما يقول الجهمية- قبحهم الله تعالى، وتنزه عما يقولون علوا كبيرا.
|